5:34

إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواۡ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواۡ عَلَيۡهِمۡ‌ۖ فَٱعۡلَمُوٓاۡ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ٣٤

Saheeh International

Except for those who return [repenting] before you apprehend them. And know that Allah is Forgiving and Merciful.

Tafsir "Waseet Tafseer" (Arabic)

وقوله : ( إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فاعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) بيان لحكم هؤلاء المحاربين إذا ما تابوا قبل القدرة عليهم .أي نفذوا - أيها المسلمون - هذه العقوبات على هؤلاء المحاربين لأولياء الله وأولياء رسوله ، والساعين في الأرض بالفساد ما داموا مستمرين في غيهم وعدوانهم ( إِلاَّ الذين تَابُواْ ) منهم ( مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ ) أي : من قبل أن تتمكنوا من أخذهم ، بأن أتوكم طائعين نادمين ، ( فاعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) أي واسع المغفرة والرحمة بعباده .هذا وهناك مسائل تتعلق بهاتين الآيتين من أهمها ما يأتي :1 - احتج بعموم هذه الآية جمهور العلماء في أن المحاربة في الأمصار وفي القرى وفي الصحراء على السواء ، فحيثما تحققت إخافة المسلمين ، كان الفاعلون لتلك الإِخافة محاربين الله ولرسوله ويجب إنزال العقاب بهم ، لقوله - تعالى - ( وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً ) وكل هذه الأماكن من الأرض . وعلى هذا الرأي سار الإِمام مالك والشافعي وأحمد وغيرهم .ويرى الإِمام أبو حنيفة أن قطع الطريق لا يتصور في داخل المصر ، إذ يمكن الإِغاثة عند الاستغاثة ويد السلطان مبسوطة في داخل الأمصار والقرى وإنما يتصور قطع الطريق في الصحراء وخارج المدن والقرى .والذي نراه متفقا مع الآية الكريمة أنه حيثما تحقق الوصف - وهو محاربة الآمنين؛ واستلاب أموالهم ، والاعتداء على أرواحهم - كانت الحرابة ، ولزمت العقوبة التي تردع هؤلاء المعتدين على أموال الناس وأنفسهم .قال القرطبي : واختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة . فقال مالك : المحارب عندنا من حمل على الناس في مصر أو في برية وكابرهم على أنفسهم وأموالهم دون نائرة .قال ابن المنذر : اختلف عن مالك في هذه المسألة فأثبت المحاربة في المصر مرة ونفي ذلك مرة . وقالت طائفة حكم ذلك في المصر أو في المنازل والطرق ، وديار أهل البادية والقرى سواء وحدودهم واحدة .قال ابن المنذر : كذلك هو ، لأن كلا يقع عليه اسم المحاربة . والآية على العموم . وليس لأحد أن يخرج من جملة الآية قوما بغير حجة . وقالت طائفة : لا تكون المحاربة في المصر إنما تكون خارجة عن المصر .وقال ابن العربي : والذي نختاره أن الحرابة عامة في المصر والقفر ، وإن كان بعضها أفحش من بعض . ولكن اسم الحرابة بتناولها ، ومعنى الحرابة موجود فيها . ولو خرج بعض من في المصر لقتل بالسيف . ويؤخذ فيه بأشد ذلك لا بأيسره . فإنه سلب وغيلة ، وفعل الغيلة أقبح من فعل الظاهرة ولذلك دخل العفو في قتل المجاهرة فكان قصاصا ، ولم يدخل في قتل الغيلة وكان حدا .2 - اختلف الفقهاء في معنى التخيير في قوله - تعالى - ( أَن يقتلوا أَوْ يصلبوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض ) .فقال قوم من السلف : الآية تدل على التخيير بين هذه الأجزية : فمتى خرجح المحاربون بقطع الطريق ، وقدر الإِمام عليهم ، فهو مخير بين أن يوقع بهم أي نوع من العقاب من هذه الأنواع الأربعة : القتل أو الصلب أو التقطيع أو النفي ، حتى ولو لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا ، ما داموا قد اجتمعوا وقصدوا تهديد أمن الناس . فالمسألة متروكة لتقدير الحاكم ، وعليه أن يوقع بهم ما يراه مناسباً لزجرهم وردعهم وجعلهم عبرة لغيرهم حتى لا يستشرى الشر في الأمة .قال ابن كثير : قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس فيمن شره السلاح في قبة الإِسلام . وأخاف السبيل ثم ظفر به الإِمام وقدر عليه ، فإمام المسلمين فيه بالخيار : إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله ، وكذا قال : سعيد بن المسيب ومجاهد ، وعطاء ، والحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك كما رواه ابن جرير عن أنس - وهو مذهب المالكية .ومستند هذا القول أن ظاهر ( أو ) للتخيير كما في نظائر ذلك من القرآن ، كما في قوله - تعالى - في كفارة الفدية : ( مَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) فأو هنا للتخيير ، وكذلك في الآية التي معنا .وقال قوم آخرون من السلف : الآية تدل على ترتيب الأحكام وتوزيعها على ما يليق بها من الجنايات . أي : أن ( أو ) لتنويع العقوبات على حسب طبيعة الجرائم . فإذا قتل هؤلاء المحاربون غيرهم وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا فقط قتلوا ، وإذا أخذوا المال فحسب قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف . وإذا تجمعوا واتفقوا على ارتكاب الجرائم من غير أن يرتكبوا بالفعل نفوا من الأرض .وبهذا الرأي قال ابن عباس وقتادة والأوزاعي ، وهو مذهب الشافعية والأحناف والحنابلة .قال ابن كثير : وقال الجمهور : هذه الآية منزلة على أحوال ، فعن ابن عباس أنه قال في قطاع الطريق : إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض .ثم قال ابن كثير : ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذي رواه ابن جرير في تفسيره أن عبد الله بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية ، فكتب إليه يخبره أنها نزلت في أولئك النفر العرنيين الذين ارتدوا عن الإِسلام وقتلوا الراعي ، واستاقوا الإِبل وخافوا السبيل . . قال أنس : فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عن القضاء فيمن حارب ، فقال جبريل : من سرق مالا وأخاف السبيل فاقطع يده بسرقته ورجله بإخافته ومن قتل فاقتله . ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه .وقال الفخر الرازي : والذي يدل على ضعف القول الأول وجهان :الأول : أنه لو كان المراد من الآية التخيير لوجب أن يمكن الإِمام من الاقتصار على النفي ، ولما أجمعوا على أنه ليس له ذلك علمنا أنه ليس المراد من الآية التخيير .الثاني : أن هذا المحارب إذا لم يقتل ولم يأخذ المال فقدهمّ بالمعصية ولم يفعل ، وذلك لا يوجب القتل كالعزم على سائر المعاصي فثبت أنه لا يجوز حمل الآية على التخيير ، فيجب أن يضمر في كل فعل على حدة فعلا على حدة ، فصار التقدير : أن يقتلوا إن قتلوا ، أو يصلبوا إن جمعوا بين أخذ المال والقتل أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن اقتصروا على أخذ المال . أو ينفوا من الأرض إن أخافوا السبيل .والخلاصة أن أصحاب هذا الرأي الثاني يستدلون بأدلة نقلية - سبق بيانها - كما يستدلون بأدلة عقلية منها ما ذكر الإِمام الرازي ومنها أن العقل يقضي أن يكون الجزاء مناسبا للجناية بحيث يزداد بازديادها ، وينقص بنقصها ، وليس من المعقول أن تكون جريمة الاتفاق على الإِرهاب بدون تنفيذ ، متساوية مع جريمة الإِرهاب والقتل والسلب . إذاَ فالعدالة توجب تنويع العقوبة .ومنها أن التخيير الوارد في الأحكام المختلفة بحرف التخيير إنما يجري على ظاهره إذا كان سبب الوجوب واحداً كما في كفارة اليمين وكفارة الفدية ، أما إذا كان السبب مختلفا فإنه يخرج التخيير عن ظاهره - كما هنا - ، ويكون الغرض بيان الحكم لكل واحد في نفسه ، وذلك لأن قطع الطريق متنوع وبين أنواعه تتفاوت الجريمة : فقد يكون باستلاب المال فقط ، وقد يكون بالقتل فقط ، وقد يكون بهما وما دام الأمر كذلك وجب أن يكون العقاب مختلفاً ووجب أن يحمل ظاهر النص على غير التخيير . بأن يحمل على بيان الحكم لكل نوع .قالوا : ونظير ذلك قوله - تعالى - ( قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ) فإنه ليس الغر التخيير وإنما الغرض : ليكن شأنك مع قومك تعذيب من جحد وظلم ، والإِحسان إلى من آمن وعمل صالحا .وإنما قلنا : ليس الغرض التخيير ، لأنه لا يمكن أن يكون له الحق في أي الأمرين من غير مرجح لأحدهما في الاعتبار ، إذ منطق العدالة يقتضي أن يكون العذاب لمن فسق وجحد ، وأن يكون الإِحسان لمن آمن واستقام .قال بعض العلماء : " وإن الفقه في التفرقة بين الرأيين أن الرأي الثاني يحدد جرائم معينة ، ويعتبرها موضوع قطع بفعلها أو بالشروع فيها وهي القتل والسرقة . وأن الجرائم لا تخلو عن ذلك ، ولذلك كانت العقوبات مترددة بين القطع والقتل ، وأنه يكون ثمة تغليظ إذا ارتكبت الجريمتان معا .وإن كان الشروع بالتجمع واتخاذ الأسباب ، فإن العقوبة تكون بمنع الجريمة من الوقوع باتخاذ أسباب الوقاية بالنفي من الأرض ، ولذلك كان التنويع ، وكان تخريج حرف ( أو ) على ذلك الأساس ، ليكون التكافؤ سبين الجريمة والعقوبة ، وإن لم تكن جريمة كانت الوقاية .أما الرأي الأول فهو يتجه إلى أن عقوبة الحرابة لذات الحرابة لذات الحرابة والسعي في الأرض بالفساد ، ومنع الناس من السير والاستمتاع بأموالهم وحرياتهم الشخصية . وظاهر هذا الرأي أنه لا ينظر إلا إلى ذات الحرابة التي هي التخويف والإرهاب ، ولا ينظر إلى الجرائم التي ارتكبوها فعلا ، ولذلك يعمم الجرائم ولا يقصرها على القتل والسرقة كالرأي الثاني .ويرى أن العقوبات في جملتها هي لعلاج ذلك الشر ، وحسم مادته ، والقضاء على التفكير لمن يهم بمحاكاة من وقعوا فيه ، ولذلك يجب إطلاق يدولي الأمر واعتبار تلك العقوبات في ديه كالدواء بين يدي الطبيب ، يختار من أصنافه ما يراه أنجح في علاج الآفة التي أصابت الجسم الاجتماعي .وإنا نرى الرأي الثاني بالنسبة لتنويع العقاب ، ونرى الرأي الأول بالنسبة لتعميم الجرائم التي تفسد المجتمع . فإذا كانت عصابة تعمل لجمع الرجال على النساء وتخطف النساء لذلك الغرض ، أو كانت عصابة لتجميع المواد المخدرة المحرم دينا وقانونا تناولها ، فإنهم يكونون كقطاع الطريق ، ويدخلون في باب الحرابة .3 - تدل الآية بظاهرها على أن المحاربين يعاقبون في الدنيا والآخرة ، ولا يكون العقاب الدنيوي ظهرة لهم ولو كانوا مسلمين لقوله - تعالى ( ذلك لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدنيا وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .قال القرطبي : فقوله : ( ذلك لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدنيا ) لشناعة المحاربة ، وعظم ضررها وإنما كانت المحاربة عظيمة الضرر ، لأن فيها سد سبيل الكسب على الناس . لأنه إذا أخيف الطيرق انقطع الناس عن السفر ، واحتاجوا إلى لزوم البيوت ، فانسد باب التجارة عليهم ، وانقطعت أكسابهم ، فشرع الله على قطاع الطريق الحدود المغلظة ، وذلك الخزي في الدنيا ردعا لهم عن سوء فعلهم ، وفتحا لباب التجارة التي أباحها الله لعباده . وتكون هذه المعصية خارجة عن المعاصي ومستثناه من حديث عبادة بن الصامت في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " فمن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له " .ويحتمل أن يكون الخزي لمن عوقب ، وعذاب الآخرة لمن سلم في الدنيا ، ويجزي هذا الذنب مجرى غيره . ولا خلود لمؤمن في النار على ما تقدم ، ولكن يعظم عقابه لعظم ذنبه ، ثم يخرج إما بالشفاعة وإما بالقبضة وهذا الوعيد كغيره مقيد بالمشيئة ، وله - تعالى - أن يغفر هذا الذنب .4 - دل قوله - تعالى - : ( إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ ) على أن توبة المحاربين قبل الظفر بهم ، تسقط عنهم حد المحاربين المذكور في الآية ، إلا أن كثيرا من الفقهاء قالوا إن الذي يسقط عنهم هو ما يتعلق بحقوق الله ، أما ما يتعلق بحقوق العباد فلا يسقط عنهم بالتوبة قبل القدرة عليهم .

Arabic Font Size

30

Translation Font Size

17

Arabic Font Face

Help spread the knowledge of Islam

Your regular support helps us reach our religious brothers and sisters with the message of Islam. Join our mission and be part of the big change.

Support Us